الجمعة، مايو ٢٠، ٢٠١١

الجامعة المغربية وسؤال الإصلاح: الموارد البشرية على المحك - أحمد حضراني

تقديم
يتغيأ من وراء إقرار التدابير الإصلاحية تأهيل الجامعة والارتقاء بالتعليم العالي إلى مستوى الطموحات والتحديات المطروحة في ظل الألفية الثالثة، خاصة وقد بوأ الميثاق الوطني للتربية والتعليم مسألة التربية، بشكل عام، مكان الصدارة والأسبقية( أولوية الأولويات ) بعد قضية الوحدة الوطنية على امتداد العشرية الحالية.

ولهذا فالجامعة ومؤسساتها مدعوة ،أكثر من أي وقت مضى، للدفع بقاطرة التنمية الشاملة إلى الأمام، والارتقاء بمشعل العلم على مستوى النوع والجودة في التكوين والبرامج والجودة في الموارد البشرية-طلبة وأساتذة وإداريين- وجودة في البنيات التحتية،والتجهيزات الأساسية للإدارة الالكترونية ،واستيعاب الآليات الحديثة للتكنولوجيا و تقنيات التواصل ،وعقلنة البحث والتأطير من خلال التحكم الدقيق في القواعد والقيم الأكاديمية والموضوعية، والصرامة والأمانة العلمية والنزاهة الفكرية من أجل خدمة أهداف سلمية، وقضايا وطنية تابثة، وترسيخ التربية على مبادئ المواطنة الملتزمة، والمساهمة في تطوير الحضارة الإنسانية، والتسلح بروح الحوار البناء، والاختلاف الديمقراطي الحضاري ، والانخراط في بناء عقد اجتماعي جديد ، مبني على أساس التماسك الاجتماعي وتكافؤ الفرص، وإذ لايختلف أحد على أن الجامعة هي رهان هذا الورش المجتمعي باعتبارها فضاء للحوار البناء،المرتكز على مبادئ التسامح وحقوق الإنسان وحرية التفكير والخلق والإبداع ،ولكي تظل الجامعة مقاولة لإنتاج المغامرة الفكرية والمواقف الريادية ، وفضاء للتجديد والحداثة والقيم الديمقراطية، ومشتلا لفرز النخب، فهذا لن يتأتـى إلا باعتماد خريطة طريق لجامعة مغرب اليوم والغد، لعل مدخلها الأساسي هو المورد البشري. ذلك أنه لا تنمية بدون علم وبدون الاهتمام بالعنصر البشري الذي هو هدف التنمية و أداتها.
وللتذكير فقد أصبح القاموس الحالي يزخر بتعابير تهيمن على الساحة الأكاديمية والإدارية والإعلامية...من قبيل "التدبير الجيد " (
Management)، أو" التدبير الحكاماتي" (Gouvernance)، أو "تدبير الموارد البشرية" (G R H) عوض عبارة "تسيير الموظفين". وهذه المفاهيم لا تطلق على عواهنها، بل تحبل بمضامين وحمولات ،تتجاوز أنماط التسيير التقليدية ،وأشكالها المغرقة في المركزية والسلوكات البيروقراطية البغيضة، وتعتمد على المقاربة التشاركية ،وتقوم على الاعتراف بالعنصر البشري كطاقة ورأسمال وغائية، بغية أنسنة العلاقات الإدارية،و تستند في ذلك على معطيات وتصورات جديدة ،تستخدم آليات حديثة في التدبير، مرجعيتها الأساسية هي المعرفة، وإذ يلاحظ أن التقدم العلمي والتقني يتم بسرعة مذهلة، فقد أضحت معها الرساميل والمواد الخام غير كافية لتحقيق التنمية المنشودة، وأصبح المقياس الحقيقي للتقدم مبني على سلطة المعرفة، وامتلاك الخبرة والعقول البشرية، وتأهيل العنصر البشري. وخاصة إذا تعلـق الأمر بالموارد البشرية العاملة والفاعلة في المؤسسات الجامعية، والمفترض فيها أن تحمل مشعل الريادة والنموذجية في التدبير الجيد، للتحكم في عنصر الزمن وتعقيدات العصر وإدارة دفة التحولات. وتبعا لذلك فالمؤسسة الجامعية مدعوة أكثر من غيرها لتنخرط- وبشكل استباقي- في تنمية تدبير الموارد البشرية، بل إن هذه الأخيرة من أولوياتها، خاصة وأنها تتعامل مع طينة متميزة من الزبناء (طلبة)، ومنتجين يجسدون زبدة النخبة (أساتذة)، ومن وسطاء يحظون بالامتياز المعنوي في إدارة الشأن الجامعي (إدارييـن).

أولا : على مستوى الطلبـة

يمكن اعتبار المرحلة الجامعية بمثابة محطة أساسية لبناء شخصية الطالب ، وتعميق تكوينه ،وتحديد مساره ورسم معالم مستقبله، ،خليله الكتاب، وعنوانه المكتبة- التقليدية والرقمية- و نموذجه "الأستاذ"،وفي المقابل يظل الطالب هو رأسمال هذا الأخير وبطاقة تعريفه.
ولا شك أن برامج الإصلاح الجامعي تضع نصب عينها الطلبة كموضوع وهدف، سواء على مستوى التكوين والبحث، أو من ناحية الاندماج في المحيط الاقتصادي أو الاجتماعي، أو حتى من جانب المساهمة في جعل وتحويل التجربة الجامعية ورحاب المؤسسات الجامعية من أحسن وأحلى اللحظات العلمية والثقافية في حياة الطالب، لتكون ملائمة مع الفئة العمرية الشبابية ،ومواكبة لعتبة سنه المتميزة بالحماس والانطلاق.وهي الفترة التي وإن استغلت، وبتواصل ميداني وانخراط فعلي وفعال، من طرف الفاعلين القيمين على المعادلة البيداغوجية الجامعية في المغرب، ، وان كانوا يتوفرون بالفعل على حس وهم مجتمعي خالص وصادق.. لكانت فرصة سانحة لتكريس ثقافة المواطنة الحقة، والتأسيس الوجداني (السيكولوجي والسوسيولوجي) بالمواطنة والوطن.والعمل بالتالي على خلق المواطن الصالح المؤمن بروح الحوار البناء ، والمنفتح على الاختلاف والتحولات الكونية، والنابذ لكل أشكال التطرف والكراهية والمرتبط بالتالي بوطنه ومؤسساته. فالطلبة - الشباب – هم عماد الأمة، وجوهر نهضتها .

وعليه، وفي سبيل تحقيق هذه الغائية وهذا المطمح النبيل، فينبغي العمل ما أمكن وبكل الوسائل على تنويع أشكال التكوين المتاحة كما وكيفا، للاستجابة لكل الطلبات والمساهمة في سياسة جامعية ولوجية بكل المعاني، وانخراط الأساتذة بالخصوص لإنجاح المنظومة الجامعية، والإيمان بنجاعة وفعلية التكوين المندمج لتأهيل الطلبة لسوق الشغل، ولخدمة قضايـا بلدهم.
إضافة إلى دعم وتشجيع تنظيم مختلف الأنشطة الجامعية الموازية للطالب في مختلف المناحي الثقافية والفنية والرياضية وغيرها ؛لجعل "الوجبة الجامعية "متكاملة علما وفكرا وأنشطة ترفيهية، واستثمار الوقت الثالث للطالب وعدم ضياعه، أي جعل الجامعة فضاء للفكر والحوار، وتلقي المعرفة، واكتساب الروح العلمية والتأهيل للحياة العملية. وإن إرادة توفير وتعبئة ما هو متاح لتحقيق حياة جامعية متكاملة على المستوى الرياضي والفني والاجتماعي للطالب (الإيواء، التطبيب وتعزيز التغطية الصحية للطلبة) لكفيل بأن يجعل من المرحلة الجامعية فترة للذكرى الإيجابية (الانجذاب، الحنين...)، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تفعيل قنوات التواصل مع الطلبة ،وتنظيم لقاءات معهم، والاستماع لآرائهم وتزويدهم بكافة الحقائق والمعلومات السليمة عن القضايا التوجيهية والتربوية ، والاستجابة لمطالبهم، أو على الأقل تحسسيهم بـالإكراهات والحلول المتاحة بطريقة موضوعية اعتمادا على الشرح والتبسيط والتوضيح. وان إقرار سياسة انغلاقية قد تفضي إلى دخول جهات خارجية على الخط للقيام بدور الاطفائي، والعمل على تبريد التشنجات والنزاعات، مما قد يمس في الصميم باستقلالية الجامعة ( على سبيل المثال الاحتقان الواقع بين مكونات كلية الطب والصيدلة بمراكش). فلا مندوحة من إقرار سلوك انفتاحي واندماجي للاهتمام بمشاكل الطلبة وتفهمها والعمل على إيجاد الحلول الممكنة لها، وجعل مصلحة الطلبة فوق كل اعتبار،وإعطائهم المثال والقدوة في الحضور الميدانــي، وإشراكهم في قضايا التدبير الممكنة ، خاصة وأن القانون خول الطلبة المشاركة في تسيير المؤسسات الجامعية عبر ممثليهم في مجالسها وهياكلها،بل إشراك الطالب في العملية البيداغوجية ،واعتماد مدونة أو ميثاق لأخلاقيات البحث العلمي داخل الجامعة،وتبني "ميثاق الأطروحة" أو "ميثاق البحث" الذي يوقعه الأستاذ المؤطر والطالب الباحث.
فطالب اليوم هو إطار اليوم،ومن ثمة إدراجه ضمن الموارد البشرية الأساسية في المعادلة الجامعية البيداغوجية، والحاجة ماسة وملحاحة لربطه بالمدرجات، وتجويد الخدمات المقدمة إليه وإلا فملاذه وديدنه هو عالمه الافتراضي .

ثانيا:على مستوى الأساتذة
يتبوأ الأساتذة مكانة لا يستهان بها داخل المجتمع بالنظر للرسالة التي تقع على عاتقهم، في تطبيق مختلف أوراش الإصلاح الجامعي من خلال الحرص على القيام بأنشطة التدريس والبحث والتأطير، والمساهمة في تحيين مضامين ومناهج التعليم .والعمل على تنمية البحث العلمي ،والرفع من قيمته ، وتتبع تقييم ومراقبة معلومات ومؤهلات الطلبة ضمن الهندسة البيداغوجية (الفصول، الوحدات، المسالك...)، وبمختلف الأسلاك والسنوات، فهذا يستدعي تكثيف الجهود وتضافر الإرادات ،وتعبئة القدرات من أجل ريادية ورش التعليم العالي، وتهيـئ الشروط الضرورية لإنجاحه. فالاهتمام بالتعليم والبحث العلمي ليساهم -إن وظف إيجابيا- في تحقيق النمو والنهضة المجتمعية. وفي سبيل تحقيق هذه الغائية النبيلة والارتقاء بجودة التعليم والبحث العلمي ونوعية التكوين وخاصة التكوين المندمج لتأهيل طلبة اليوم إلى رجال ومواطنين صالحين للغد، فإن هذا يستدعي من الأساتذة رفع مشعل التحدي للنهوض بـالأعمال المنوطة بهم وبشكل مسؤول وجدي . وهذا لن يكتمل إلا من خلال إبراز شخصية الأستاذ وإعطاء الطلبة المثال والقدوة في الاجتهاد والنقد البناء والفضول العلمي، وفي المظهر والسلوك، وهذا الهدف النبيل لن يتحقق إلا في ظل توفير شروط موضوعية ،وفي مناخ إداري وبيداغوجي مبني على تجسير أواصر الثقة والاحترام المتبادل بين المسؤولين عن الجامعات ومؤسساتها( رؤساء، عمداء،مدراء) وهيأة الأساتذة كأشخاص أو أجهزة وهياكل للتعليم والبحث العلمي (المجالس و اللجن الدائمة ...). ونهج سبل الحوار الدائم وسياسة تواصلية، واعتماد المقاربة التشاركية في إطار الإيمان والعمل ضمن فريق، لا الاستفراد بالقرارات أوعدم الانفتاح (النزاع بين عميد كلية الحقوق بوجدة ورئيس الجامعة وصل إلى القضاء-أحد عمداء الكليات لا يستقبل الأساتذة إلا بناء على موعد)،لكن هذه السلوكات لا يمكن تجنبها إلا إذا تم القطع مع المنبع، والمقصود بذلك القطع مع الأسلوب الحالي في اختيار المسؤولين الجامعيين، حيث يتم المساس بالمنافسة الشريفة وبمبدأ تكافؤ الفرص، من خلال فبركة اللجان العلمية على مقاس بعض المرشحين الجاهزين والنافذين والمتمسحين بأوليائهم دون الاعتماد على كفاءتهم ورصيدهم المعرفي وإنتاجهم العلمي، ومصداقية وجدية مشروعهم الجامعي...، وأضحت بالتالي الجامعة كالجماعة المحلية، وانتقلت بالتالي عدوى فبركة الخرائط الانتخابية إلى صنع المسؤلين الجامعيين ومن طرف" لجان علمية"، لا بد من طرح إشكالاتها أمام الرأي العام ، للتفكير في مراجعتها، إذ كيف يمكن لممثل المحيط الخارجي-وهو عضو لجنة الانتقاء بحكم القانون- وقد يكون حاصلا على الإجازة،ولا تربطه صلة بالجامعة أن يقيم عملا جامعيا لأستاذ حاصل عن دكتوراه الدولة ؟ وما السر في تكرار تواجد بعض الأسماء ضمن عديد من اللجان وفي مختلف مباريات الانتقاء التي تنظمها الجامعات؟
ويبقى طرح انتخاب المسؤول الجامعي(رئيس الجامعة،عميد كلية،مدير مدرسة عليا أو معهد) من طرف الأساتذة هو البديل، وهو مطلب نقابي كذلك ، إضافة إلى إقرار منهجية للمراقبة الداخلية والخارجية على التدبير المالي، وعلى تنفيذ مشاريع تطوير المؤسسات الجامعية، ولو كانت هذه الأخيرة معتمدة لما تجاسر رؤساء الجامعات السابقين، والذين انتهت ولاياتهم -ثماني سنوات- كأقصى حد، إلى التماس فتوى الأمين العام للحكومة للي عنق القاعدة القانونية والتحايل عليها من خلال السماح لهم للترشح من جديد في جامعات أخرى،ورغم أن الفتوى كانت حاسمة لوضوح النص، فهذا لم يمنع أحد رؤساء الجامعات السابقين من التقدم بملف الترشيح إلى جامعة أخرى ؟ فكيف يستقيم الظل والعود أعوج في ظل غياب منهجية تأسيسية ديمقراطية،وكيف يمكن للجامعة أن تلعب دورها الريادي المجتمعي وأجهزة تسييرها تتمسح بمشايخها و أوليائها لا بجودة مشاريعها ؟
وداخل الجسم"الأستاذي"،-مسؤولا إداريا أو تربويا- فينبغي تحسين الوضعية المادية للأستاذ من خلال الإسراع بملفات الترقية وإقرار نظام الحوافز تشجيعا للبحث العلمي والكفاءات، اعتمادا على معايير دقيقة وذات مصداقية وشفافة، والاهتمام بالبعد الاجتماعي والإنساني للأستاذ، على الأقل تأمين عمله ضد مخاطر التنقل وحوادث الشغل.

ثالثا: على مستوى الموظفين

يساهم الموظفون والأعوان العاملون في تأمين السير العادي والوظيفي للمؤسسات الجامعية ، وإن هذه العينة من الموظفين لفي حاجة إلى التقدير والامتنان، لكونها تعمل في ظل قطاعات اجتماعية وثقافية وفكرية ، ولذا يفترض في هذه الشريحة من الموظفين أن تكون متشبعة بالهاجس التربوي، ومؤمنة بفضل البحث العلمي،ومنخرطة في النهوض به والدفع بتقدمه وهي تسلم بقدرها، وتؤمن في عملها بأنها بعيدة ، وإلى حد ما عن المثالب والعيوب التي تنخر جسد الإدارة المغربية (رشوة، بيروقراطية وسوء التسيير)، وبهدف تكريس تحصين هذه الشريحة من الموظفين ،وتدبير أمورها بشكل جيد. فينبغي العمل على تحسين شروط عملها، بدءا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وإقرار سياسة التحفيز اعترافا بمجهوداتها ،وعربونا على إقرار مبادئ الشفافية وقواعد العدل والإنصاف، وإقامة مناخ ملائم للاشتغال، والعمل على مساعدتها ، واستغلال كل المناسبات للاعتراف -علنيا- بتضحياتها، ولما لا التخفيف عنها، بالنظر لقلة عناصرها من خلال ضخ عناصر جديدة في صفوفها ،والاستفادة من التكوين المستمر والتداريب وإعادة التأهيل.
ويبقى على الموظفين العاملين بمصالح المؤسسات الجامعية،وخاصة أولئك الذين يقع على عاتقهم مسؤولية خدمة الطلبة أن يعملوا على جودة الأداء، بدءا ب :
- تحسين جهاز استقبال الطلبة وعموم المرتفقين ، فالاستقبال بمثابة بطاقة تعريف الإدارة ككل فالاستقبال يعد بمثابة مدرسة للحياة الاجتماعية ،وهو مؤسسة وسيطة لخلق شراكة مع الطلبة بالتحديد.
- إيجاد سبــل وقنوات الحوار الجاد والشفاف،وهو خير وسيلة للتعرف على آراء الغير ، فالحوار هو قدرة على الاستماع، كما هو قدرة على الحديث ، والمحاور الجيد هو المستمع الجيد ، وإذا كان الاستماع من الخصال الأساسية التي تسهل بشكل مباشر الاتصال والتواصل، فينبغي أن ينصب على ما هو أساسي بالأساس، والفهم الجيد لما قيل، إضافة إلى خلق شبكة اتصال هامة وخاصة مع كل المخاطبين والمحيط الخارجي (علبة الاقتراحات والإعلانات، والمواقع الالكترونية...). ، إضافة إلى تبسيط المساطر.
- تطوير أساليب العمل والتخفيف من الشكليات، وبالتالي توظيف وتعبئة الاستفادة من مختلف وأحدث وسائل النجاعة والفعالية في التدبير ، قصد التحكم في العمل بدقة وضبط التخطيط والبرمجة، التي تقحم البعد الزمني وعامل الوقت في هذه المعادلة، من خلال التدبير والاستثمار الجيد للوقت فيما هو نافع وإيجابي ، فالوقت هو الحياة ( يلاحظ أحيانا أن ما هو أساسي يكون حظه من الوقت قصيرا ودونه يتخذ وقتا طويلا).
فالكل مدعو لإقرار تعاون مشترك وتضامني بين كل الفاعلين والفرقاء، ونهج سياسية تواصلية بين مختلف مكونات الجامعة،فالتواصل-للتأكيد- يعبر عن الشخصية الانفتاحية ،والقدرة على فهم دوافع واحتياجات الآخرين.
وهذه كلها أعمال وسلوكات تقام تحت مسؤولية القيمين على الجامعة ومؤسساتها، فما يجب على الأساتذة والطلبة والموظفين إنما يتم تحت مسؤوليتهم. وإن تدبير الجامعة والتفاعلات القائمة بين مكوناتها، فهي تتم تحت إشرافهم، وتنطبع بشخصيتهم، وتعتمد على إيمانهم بالعملية البيداغوجية وبخدمة قضايا الوطن والمواطنين، والمساهمة في تدبير الشأن العام، خاصة إذا كان هذا الأخير من طينة المنتوج الجامعي ومن فصيلة الجامعييـن، وهو ما يحتم الاشتغال ضمن فريق في إطار حكامة تشاركية، فنجاح المسؤول عن التدبير يتوقف على طبيعة الأشخاص العاملين معه، ومن ثمة ضرورة العناية بالعنصر البشري، لأن الإدارة هي إدارة أشخاص لا إدارة أشياء .وان أفضل وسائل التنظيم والتسيير لا تحقق الأهداف المرجوة عند إغفال أو تجاهل العنصر البشري. وينبغي أن ينصب التنسيق للمساعدة على حل المشاكل ودراستها لتحقيق أفضل استقلال، وتوظيف أنجح الطاقات،والوعي بالمهام والمسؤوليات وإقرار سياسة انفتاحية في سبيل خدمة التنمية المستدامـة.بخلق تواصل دائم مع مختلف أطراف المعادلة الجامعية (أساتذة وطلبة وإداريين)، ولا يخفى على أحد دور التواصل في خلق التماسك بين الأطراف وبناء العلاقات العامة ، إذ يمكن هذا التواصل من التفكير معا، والرؤية معا، والعمل معا، لتحقيق التماسك والانسجام عبر امتصاص المشاكل، والتوافق على الحلول، وبالتالي تحقيق الأهداف المشتركة ،وجعل الجامعات فضاءات فعلية لنشر المعرفة والثقافة والتعليم بقيم راسخة ، لتأهيل المغرب إلى غد أفضل وعلى كافة المستويات.
على سبيل الخـــتم
يبدو مما سبق أن المؤسسات الجامعية تطلع بدور طلائعي في النهوض بالقطاع التعليمي في شقه العالي، ويقع على عاتق الفاعلين فيها حمل الرسالة التربوية النبيلة للمساهمة في التقدم المجتمعي. وتتبيث موضع قدم البلاد على أرض الرهانات والتحديات العالمية، وهو مايطوق الموارد البشرية، وخاصة أولئك المدبرين والمسؤولين على الشأن الجامعي بمسؤولية مجتمعية وحضارية، بل تـاريخيـة، للارتقاء بالتعليم العالي للعب الدور الأساسي في دعم وتكريس تقاليد البحث العلمي، وجعل الجامعة مشتلا للفعل التربوي والثقافي، واعتماد جودة التكوين ونوعيته لاستقطاب الطلبة إلى المدرجات وتوجيههم حتى في عوالمهم الافتراضية، لتأهيل الشباب في الحياة العملية، وبالتالي إدماج المؤسسة الجامعية في محيطها الاقتصادي والاجتماعي، والتلاؤم مع مشروع الجهوية الموسعة وورش الإصلاح الدستوري، والمساهمة بالنتيجة في تأهيل الاقتصاد وتقدم البلاد، وتحديث المجتمع عبر سبك المواطن الجيد والصالح.
*أستاذ بكلية الحقوق بمكناس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق