السبت، ذو القعدة ١٥، ١٤٣١

قانون الجبايات المحلية الجديد وضمانات مبدأ العدالة الجبائية

قانون الجبايات المحلية الجديد وضمانات مبدأ العدالة الجبائية

                                                       احمد حضراني
(أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمكناس )

        إن مراعاة جانب العدالة الضريبية وإبراز مدى تأثيرها في تحديد المسار  التاريخي يقتضي الإحاطة بمدلول العدالة ذاتها من حيث المفهوم والإشكالات التي يطرحها، حتى يتسنى التحكم في ضبط قواعده واستيعاب عناصره التي تتغير بتغير المفاهيم والسلوكات في الزمان والمكان (موضوع الفقرة الأولى) وبناء على هذا المعطى تصبح المساطر الجبائية من قبيل إخبار الملزمين بقرار التصحيح المزمع اتخاذه بصدد الإقرارات المدلى بها والمسطرة المتبعة في ذلك، وإمكانية اللجوء للطعون الادارية والقضائية بمثابة تدابير تصب في اتجاه يخدم العدالة ليس إلا (موضوع الفقرة الثانية).فما هي الضمانات التي اعتمدها القانون الجديد للجبايات المحلية للملزم(1)،  خدمة لمبدأ العدالة الجبائية بالأساس؟ لكن قبل ذلك هل من مؤشرات ضابطة لهذا المبدأ؟
الفقرة الأولى : مدلول العدالة الجبائية
        كانت العدالة ومازالت وستظل مطمحا وهدفا إنسانيا نبيلا، فقد شكلت مادة غزيرة للإنتاج الفكري لا بسبب طابعها الأخلاقي بل لكونها تحرك الصراع الطبقي، ومن أجلها تشتعل الثورات وتنشب الحروب، ولا تشد العدالة الضريبية عن ذلك، وبالرغم من الأهمية التي تكتسيها هاته الأخيرة فإنها تظل مفهوما نسبيا، فكيف ذلك ؟ وما هي تجليات العدالة الضريبية يـا ترى ؟
أولا : إشكالية تحديد مفهوم العدالة الجبائية
        تشتق كلمة العدالة من العدل الذي يعني لغة الإنصاف، وهي ترجمة للكلمة الفرنسية (Justice) المشتقة بدورها من اللاتينية (Justicia)، والتي تعني الشكل أو المظهر الصحيح (Juste) (2)، أو الأمد الوسط بين طرفين متنافرين: 'الإفراط والتفريط' (3). وللعدالة مفهوم عام ومجرد يزيد من أهميتها ويعمق في الآن ذاته من بحث معناها النسبي والذاتي.
1- أهمية مراعاة مفهوم العدالة الجبائية
        يعتبر البحث في العدالة بحثا في أعقد معضلة يواجهها الإنسان في العصر الحالي، فهي دعامة الاستقرار والتوازن وأساس الصراع، وحسب ابن خلدون 'فإن الملك لا يتم عـزه إلا بالشريعة والقيام لله بطاعته، والتصرف تحت أمره ونهيه ولا قوام للشريعة إلا بالملك ولا عزة للملك إلا بالرجال ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل في المال إلا بالعمارة ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل، الميزان المنصوب بين الخليقة." (4) يتضح من قولة ابن خلدون هاته أن العدل يرتبط في الغالب بالحكم، فالعدل أساس الملك (5)كما يقال، ومن هذا المنطلق  انصرف مفهوم العدل والعدالة على المال، والضريبة بالأساس، ذلك انه من خلال النفاذ إلى النظام الجبائي لبلد ما نعرف منه الحياة الداخلية لشعب هذا البلد، ونستطيع أن نفهم أسباب نجاحه أو تدهوره حسب تعبير Canagé.
        وإن وجود العدالة أو عدمها لهو جوهر الصراع، ومحرك أساسي لانفجار الثورات ونشوب الحروب، مثال ذلك القرار غير العادل الذي أطاح بالملك لويس السادس عشر بقصر فرساي، والمتمثل في توزيع الضرائب على أفراد الشعب بالتساوي "المساواة أمام  الضريبية". ودونما تمييز طبقي (المساواة الضريبية)، أو الاضطرابات والأحداث التي شهدتها مناطق البوسنة والهرسك سنة 1985 بسبب الضرائب القاسية وغير العادلة التي كان يفرضها عليها الأتراك وخاصة إبان الأزمات الطبيعية (الجفاف) (6).
        وكانت الضرائب غير العادلة أو عدمها من وراء ثورة كرومويل (1849) ووثيقة الحقوق (Bill of Rights)، ودستور الحقوق الذي تعهد بتأسيس القوانين المشروطة بموافقة البرلمان، كما شكل غياب الضرائب العادلة عنصرا فاعلا في اندلاع الثورات الفرنسية والأمريكية ، وفي روسيا الشيوعية (7).
         وعموما فالعدالة الضريبية تظل مقوما أساسيا للملك والسلطة، ومحركا ديناميكيا لعجلة التاريخ، وتبقى مع ذلك مفهوما عاما،  بسبب الإسقاطات الذاتية عليه، تكاد تجعل منه أعقد مشكلة تواجه الباحثين في الدراسات المالية (8).
2- نسبية مفهوم العدالة:المعيار الذاتي
        يثير مفهوم العدالة كثيرا من الجدل بسبب نسبيته التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف القيم السائدة، إذ يصعب معه تعريف العدالة أو الإجماع حولها بشكل مطلق (9) تماما كالصعوبات التي تعترض محاولات تعريف بعض القيم كالخير والشر والجمال (10)، فالفكر المالي التقليدي كان ينظر إلى الضريبة الحيادية كضريبة عادلة في حين يراها الفكر المالي الحديث غير ذلك، بل إن الضريبة التدخلية هي التي تحقق العدالة، كما كانت الضريبة النسبية غداة الثورة الفرنسية ضريبة عادلة، بسبب فرضها على النبلاء والأعيان بعدما كانوا يتمتعون بالإعفاء في عهد الإقطاع وأصبحت بعد ذلك غير عادلة أمام الضريبة التصاعدية (11)، فالضريبة التي كانت « تقدمية" بالأمس أصبحت "رجعية" اليوم، الأمر الذي يدعو للقول بأن معايير إقرار ضريبة  عادلة حسب الزمان والمكان هي مسألة طوباوية، فالسائد هو المعايير الذاتية "إذ لأسباب سياسية بحثة تنتقد أحزاب المعارضة النظام الضريبي، و لأسباب فردية تنتقد  الطبقات الغنية الضرائب شديدة التصاعد" (12). ويمكن اعتبار الضرائب العادلة هي الضرائب التي تتبنى أحكاما فنية خالية من الغموض والتعقيد النصي( الحكامة الجيدة في شق الشفافية ) تقوم على تشخيصية السعر والوعاء، وتعتمد على سهولة التحصيل المالي ووضوحه إضافة لعمومية المادة الجبائية، وكأداة تدخلية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية ...  
ثانيا : مظاهر العدالة الجبائية كأداة
        تتجلى العدالة الضريبية من خلال عدة مبادئ أو قواعد تهم التنظيم الفني للضريبة، هاته الأخيرة يمكن ربطها بمجالات أخرى (المفهوم الشامل للعدالة).
1-العدالة والأحكام التقنية الجبائية
        يتعلق الأمر هنا بمطابقة أو مراعاة أحكام الضريبة التقنية لعناصر وقواعد العدالة، فإذا كانت للضريبة أحكام فنية (مادة، تصفية، تحصيل) فإنها لا تشكل بناء مغلقا أو منعزلا عن كل محتوى اجتماعي أو مطمح خلقي، فهي تراعي مبادئ وقواعد العدالة (المساواة، الاقتصاد، الملاءمة)، أو شكلها (العدالة العمومية والعدالة الأفقية).
تتمثل مبادئ العدالة الضريبية في أربع عناصر تبعا لتصنيف آدام سميت،  وهي المساواة واليقين والملائمة والاقتصاد.
- المساواة والعمومية : تقوم المساواة من خلال قيام سياسة ضريبية جديدة تقوي توجه العدالة الاجتماعية وتوسيع قاعدة التضريب، كما تعني المساهمة في التضحية الضريبية وفي تحمل العبء الجبائي (13) بالنسبة لكل الملزمين؛ مما يتناسب ومقدرتهم  التكليفية ودون إقرار إعفاءات جبائية سخية (14)، وتعني المساواة العدالة في الفكر المالي التقليدي، بل أدرجها آدام سميت ضمن قواعده الأربعة (15). وبمنظوره فهي فرض الضريبة على الجميع مع إعفاء المعدمين وذوي الدخول الضعيفة (16)، أي مراعاة القدرة  التكليفية للملزمين عند تعميم الضريبة (17)، وهذا التعميم -الذي لا يستثني في التضريب القس ولا النبيل حسب تعبير الفيلسوف بودان -(18) لمن شأنه أن يحقق المردودية والعدالة في الآن ذاته بواسطة إخضاعه كل مصادر الدخل والثروة للتضريب، والعمل كذلك على محاربة الغش الضريبي  (19).
- اليقين : ويقصد به علم الملزم بطرق احتساب الضريبة وموعد استخلاصها حتى لا يصبح تحت رحمة أعوان الجباية (20)، ولن يتأتى هذا هذا اليقين إلا من خلال الإعلام والتوعية بطرق التصفية والتحصيل ، مع إقرار الوضوح في صياغة الأحكام الضريبية، وتجنب النصوص الغامضة أو المتناقضة أو تعدد التغراث التي تترك الباب مفتوحا لتنوع الاجتهادات (21) وتباين أشكال  التطبيق الذي قد يفضي إلى التجاوز.
- الملائمة : ويقصد بها اختيار الوقت المناسب لتصفية الضريبة وتحصيلها، وأن يكون التضريب ملائما لوضعية الملزمين (22) وجلب الأموال بالطرق المشروعة حسب أحوال الناس أثناء الضيق والسعة . ويستجيب الأداء ربع السنوي لتحصيل مجموعة من الرسوم التي يحبل بها القانون الجبائي الجديد لمبدأ الملائمة(10 رسوم:المقالع ، المناجم، محلات بيع المشروبات... ) وهذا من شانه أن يخفف العبء على الملزم، ويحقق السيولة المالية للجماعات المحلية.
- الاقتصاد : وتعني عدم الإسراف في تكاليف التحصيل (23)؛ تجنبا لتبذير الطاقات والأموال ،وتفاديا لهدر الجهود وضياع الطاقات. وقد اقترح القانون الجبائي عدم تطبيق الرسم إذا كان مبلغه يقل عن 100 درهم، وهو إجراء وسط يتخلى عن مبلغ 10 دراهم السائدة في ظل الضريبة الحضرية ومبلغ 200 درهم المعتمدة للاستخلاص بالنسبة للضريبة على الأراضي الحضرية غير المبنية.
وإلى جانب هذه المبادئ التي قارب بها آدم سميث العدالة، هناك جوانب أخرى لهذه الأخيرة، وتتجسد من خلال التمييز بين العدالة العمودية والعدالة الأفقية.
- العدالة العمودية : وتقضي التشخيص(la personnalisation de l’impôt) والتصاعد الضريبي تحميل المداخيل المرتفعة عبئا أكبر من المداخيل المنخفضة، أي معاملة الملزمين ذوي الوضعيات الاقتصادية غير  المماثلة معاملة غير  مماثلة (24)، فإذا كان التشخيص يعني لغة وضع اليد على هدف معين، فالتشخيص الجبائي معناه توزيع العبء الجبائي وفقا لمحددات معينة كتعبئة,الإعفاءات خدمة لهذا الغرض (25)، وعلى سبيل المثال فقد أعفى الرسم على السكن الشريحة التي لا يتجاوز قيمة إيجار عقاراتها 5000,00 درهم (المادة 6 من القانون رقم 06 -47).
- العدالة الأفقية : ويقصد بها إخضاع أو معاملة الملزمين ذوي الوضعيات الاقتصادية المماثلة معاملة ضريبية مماثلة (26) كخضوع شقتين متجاورتين-تتوفران على نفس الخصائص- مساحة وشكلا وموقعا- لنفس القيمة الكرائية أو نفس المبلغ المستحق .
        وعلى أي فإن مراعاة جوانب العدالة في التضريب لم تعد مقتصرة على الأحكام الفنية للضريبة، بل تعدتها من خلال الربط بين العدالة الضريبية وبعض القطاعات الأخرى ذات الصلة بالجبائية.
2-التصور الشامل للعدالة الجبائية
كانت الضريبة تتسم بطابع الحياد في الفكر المالي التقليدي، أما في ضوء الفكر المالي الحديث، فأصبحت الضريبة أداة تدخليه في مختلف مناحي الحياة، وهذا هومكمن وكنه عدالتها، فالضريبة لن تكون عادلة إلا إذا كانت مشروعة تحظى برضي وقبول مختلف مكونات المجتمع، مواطنين ورأيا عاما وجماعات ضاغطة أو تدخلية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية...
        ومن خلال استقراء مقتضيات القانون رقم  06-47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، يتبين أن هذا الأخير يلامس- وإلى حد ما- تحقيق بعض جوانب العدالة الجبائية ،والتي يمكن استشفافها من خلال ما يلي :
-على المستوى المالي : تجدر الإشارة في البداية أن هاجس المردودية المتغيأ من وراء الجبائية لا يغفل أو ينفي العدالة، بل إن التشريعات العادلة هي أكثر مردودية وإنتاجية .      وهذه الأخيرة يمكن أن تتحقق من خلال توسيع نطاق سريان الرسوم، أو من خلال عمليات التصفية.
 ففيما يخص الجانب الأول، فقد عمل القانون على توسيع نطاق سريان فرض الرسم على الخدمات الجماعية والرسم على عمليات تجزئة الأراضي لتطال العقارات الواقعة في مراكز المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية وبالمحطات الصيفية والشتوية ومحطات الاستشفاء بالمياه المعدنية، وتعدى تطبيق الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية الجماعات الحضرية، ليشمل المراكز المحددة كذلك، وان توسيع نطاق هذه الرسوم ذات الطابع العقاري لمن شأنه أن يضمن مردودية مالية للجماعات المحلية ،  كما يخلق روح الواجب الجبائي للملزمين، ويخفف بالتالي من العبء الجبائي غير المتوازن وفي ذلك خدمة لمبدأ العدالة الجبائية .
        أما على مستوى عمليات التصفية وخاصة الأسعار، فإن إقرار القانون لأسعار دنيا وأخرى عليا لبعض الرسوم مثل الرسم على عمليات البناء (المادة 54)، والرسم على عمليات التجزئة، (المادة 61)، والرسم على محال بيع المشروبات (المادة 66) والرسم على استغلال المناجم (المادة 119)... لمن شأنه كذلك أن يخدم الهدف المالي من خلال تلجيم وعقلنة سلطة المجالس التداولية المعنية في إقرار أسعار دنيا غير معقولة. كما أن الهدف المالي يمكن أن يتحقق من خلال الرفع من نسب المعدلات والأسعار في بعض الرسوم كتلك التي طالت الرسم على الخدمات الجماعية،والرسم على استغلال المقالع ،وذلك الخاص بالأراضي الحضرية غير المبنية، والزيادة في أصناف القوة الجبائية وتقليص الشرائح من ستة إلى أربعة ، والزيادة في الغرامات .الخ
* على المستوى الاجتماعي : فكما هو معلوم فإن الجبائية يمكن أن تتخذ كأداة اجتماعية  -تدخلية - من خلال توزيع الدخول، وبسبب نظام الإعفاءات والتخفيضات حفاظا على الحد الأدنى للمعيشة، وفي هذا الصدد فقد اقترح قانون الجبايات المحلية توسيع قاعدة الشريحة المعفاة من رسم السكن بالنسبة للعقارات المملوكة وذات القيمة الايجارية التي لا تتجاوز 5000,00 درهم (المادة 27) بعدما كان هذا الإعفاء محددا في 3000.00 درهم في ظل الضريبة الحضرية، وإذ يسجل على هذا القانون أنه لم يقر بجباية عقارية تدخلية للقضاء على المضاربة العقارية، فانه على العكس من ذلك قد جانب  جانب مبدأ العدالة حينما أقر إعفاءات  واسعة وسخية بالنسبة لقطاعات استثمارية مهمة كعدم خضوع عقارات جامعة الاخوين والعصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب والشرايين، ومؤسسة الحسن الثاني لمحاربة داء السرطان أو مؤسسة الشيخ زايد بن سلطان للرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية التي حبلت ب 22  إعفاء(المادة 41)، أو الرسم على عمليات البناء (22 إعفاء) (المادة 52)، إضافة إلى إعفاء المنعشين العقاريين في مادة السكن الاجتماعي من كل الرسوم المحلية إضافة للضرائب الدولتية. وفي ذلك محاباة لهذه الفئة، وبالتالي ترحيل العبء الجبائي إلى فئات اجتماعية أخرى، وهذا يشكل في حد ذاته مسا بمبدأ الإنصاف والعدالة الجبائية، كما يخالف منطق الأشياء، إذ أن التشريعات العادلة هي الأكثر مردودية وإنتاجية، وهي التي تدفع الملزمين للإقدام على واجباتهم الجبائية (27).
الفقرة الثانية: ضمانات الملزم إنصاف أمام امتياز الإدارة.
        يعد الملزم الحلقة الضعيفة أمام الطرف القوي (الإدارة)، وتلطيفا من حدة امتيازات هذه الأخيرة، فقد أناط القانون الجبائي الملزم ببعض الحقوق للمشاركة في الفرض الضريبي والمنازعة في هذا الفرض المقرر أو المصحح بواسطة الإدارة إما باللجوء إلى أجهزة وسيطة (اللجنة المحلية) ما بين الإدارة والملزم، أو اللجوء إلى التظلمات الإدارية أو القضائية.فكيف ذلك ؟
أولا : مشاركة الملزم في الفرض الضريبي إدماج للحكامة الجيدة.
تتجسد مؤشرات المشاركة في عمليات الفرض الضريبي في الإقرارات وما يستتبع هذه العملية من تصحيحات أو منازعات (لجانية، إدارية، قضائية)، وإذا كان قانون رقم 89-30 يعتمد على أسلوب الإحصاء(28)، أو الإقرار التلقائي في عمليات التصفية الجبائية، فان القانون رقم 06-46 قد ركز في تصفية معظم رسومه على تقنية الإقرار المعد كأداة لإدماج مشاركة الملزم في الفرض الضريبي، وفي ذلك تفعيل للحكامة الجيدة.
1- الإقرارات والمشاركة في عمليات تصفية القرار الجبائي .
        تعتمد تصفية الجبايات المحلية على مشاركة الملزم  في الإقرار أو التصريح الجبائي(29)، المعد كعمل أولي يقوم على مجموعة من البيانات والمعلومات التي يدلي بها الملزم،والذي يعترف بذلك بحق عليه للإدارة، ويساعدها للتوصل إلى قرار احتساب المبلغ الواجب دفعه، مجنبا إياها تكاليف أعباء التصفية (تجنب تكاليف تنقل الأعوان، وتوفير وسائل النقل وأدوات العمل)، فالإقرار عبارة عن آلية تواصلية وأداة للحوار ما بين الملزم والإدارة والتي من شأنها أن تساهم في تحسيس الملزمين بمسؤولياتهم، وبالتالي التعبير بكامل الحرية عن الرغبة في المساهمة في النفقة العمومية (30).
        وللإشارة فقد يكون الإقرار شفويا أو مكتوبا، وهو لايقتصر على المعني بالأمر مباشرة بل يطال الغير( إقرار الآخر نيابة عن الملزم )كما هو الشأن في الرسم على الإقامة في المؤسسات الفندقية.
        وللتذكير فقد اعتمد قانون رقم 89-30 على طريقة الإقرار قصد تحصيل الجبائية المحلية استنادا إلى أوامر المداخيل قبل التحصيل (الضريبة على محال بيع المشروبات) ،أو أثناء المراجعة وتصحيح الإقرار. بل يتم الاعتماد على هذا الأخير وبشكل مباشر، ودونما الحاجة إلى أوامر المداخيل كما هو الشأن في الجبائية ذات الطابع العقاري (عمليات التجزءات والبناء). وما يجب للانتباه إليه في  هذا الصدد هو استحضار بعض الصعوبات التي سجلت بداية تطبيق مقتضيات قانون رقم 89-30 الناتجة عن إحلال  أسلوب الإقرار محل تقنية الإحصاء الذي كان معتمدا بالنسبة لبعض الضرائب والرسوم للاستفادة منها والاستعداد لمواجهتها ، إذ لم يكن الملزمون متعودين على الإقرار، فضلا عن سلوك الانتظارية والتردد الذي طبع سلوكهم، بل أحيانا عزفوا  عن الإدلاء بالإقرارات (31) ،هاته الأخيرة كرسها المشروع في معظم الرسوم الذاتية التي جاء بها (الرسم على الإقامة في المؤسسات السياحية، الرسم على النقل العمومي للمسافرين، الرسم على استغلال المناجم،الرسم على الأراضي الحضرية  غير المبنية....)إضافة إلى الرسوم الأخرى التي احتفظ بها كما هي معتمدة في ظل القانون الحالي مثل الرسم المفروض على استغلال سيارات الأجرة والرسوم المقبوضة في الأسواق وأماكن البيع العامة.
        فالتصفية الجبائية القائمة على الإقرار تشرك الملزم في الفرض الضريبي، وبذلك يتم الانتقال من ثقافة الخضوع والادعان أمام جبروت الإدارة إلى ثقافة المشاركة والتشارك، وهذا يشكل في حد ذاته إضافة أساسية للملزم، وهذه الضمانة تخدم مبدأ الإنصاف والعدالة وتثبيتا للحكامة الجيدة -موضة التدبير الجديد- على الأقل على مستوى الخطاب في المغرب الراهن.
2- إخطار الملزم في عمليات تصحيح الإقرارات.
        أقر القانون الجبائي في هذا الجانب مسطرتين لتصحيح الرسوم، وهي: إما عادية أو سريعة .
 أطرت المسطرة العادية مقتضيات المادة 155 ، فدرءا لكل تملص ضريبي ومن أجل ضمان حقوق الجماعة، فإن هذه الأخيرة تراقب إقرارات الملزم، مع العلم أن هذه المراقبة لا تخلو من إشراك الملزم في هذه العملية، فإذا لاحظت الإدارة ما يستوجب القيام بتصحيح أسس فرض الرسوم المبنية على الإقرارات بالخصوص،  فتبلغ وفقا للمقتضيات التفصيلية التي نصت عليها المادة 152، قرارها المصحح لإقرار الملزم ، وإذ ينبغي أن يكون هذا القرار معللا بأسباب (طبيعة التصحيح، تفاصيل المبلغ) فإنها تدعو الملزم للإدلاء بملاحظاته داخل أجل شهر واحد، والموالي لتسلم وثيقة التبليغ، وفي حالة عدم الجواب داخل الأجل المذكور يتم وضع الواجبات التكميلية موضع التحصيل، والتي لا تحول وحق المنازعة الإدارية أو القضائية كما بينتها أحكام المادة 162، ولكن إذا تلقت الإدارة ملاحظات المعني بالأمر داخل الأجل السالف الذكر (شهر واحد)، ولم تقتنع بأسانيد ملاحظات الملزم  فيتحتم عليها تبليغ المعني بالأمر داخل أجل زمني لا  يتجاوز شهرين،ووفقا لأساليب المعتمدة أسباب رفضه وأساس فرض الرسم المعتمد مع أحقية الملزم في تقديم طعن إلى اللجنة المحلية لتقدير الضريبة داخل أجل 30 يوما الموالية لتاريخ تسلم رسالة التبليغ الثانية. وإلا سيصبح قرار الإدارة نهائيا. وللتذكير فقد فصلت أحكام المادة 152 من القانون في كيفية التبليغ ومساطره، والذي يجب أن يبلغ إلى عنوان الملزم المدلى به للإدارة عبر رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم أو بالتسليم بواسطة أشخاص مؤهلين لذلك (المأمورين المحلفين، أعوان كتاب الضبط أو المفوضين القضائيين) أو بالطريقة القضائية، ويتم التبليغ في ظرف مغلق، ويثبت التسليم بشهادة تتضمن مجموعة من البيانات (اسم العون، تاريخ التبليغ، الشخص المسلمة له الوثيقة) إضافة لمجموعة من التقنيات التي تم تعدادها في هذا الشأن
        أما بخصوص المسطرة السريعة المؤطرة بموجب المادة 156 من القانون فنؤكد على أحقية الإدارة في تصحيح أسس الرسوم ذات الطابع الاقراري والناتجة عن التغييرات الواقعة على النشاط المضرب إما بسبب وفاة الملزم أو تفويت المقاولة أو تغيير شكلها القانوني أو الانقطاع عن النشاط أو تسوية أو تصفية قضائية ، والتي تبلغ إلى الملزم والمتضمنة لأسباب التصحيحات وأسانيدها ليضرب له أجل معين لتقديم جوابه عن ذلك، وإلا  يفرض عليه الرسم والذي يبقى قابلا للتظلم الإداري، وتسرد أحكام المادة المذكورة حالات وطرق أساليب وضع الرسم وآجال ذلك عند جواب الملزم. وغيرها من المقتضيات التي تصب في آخر المطاف في إعطاء الملزم الحق في المشاركة في تصفية الرسم المفروض عليه في هذا الجانب.
ثانيا : الطعون أداة لترتيب العلاقة غير المتوازنة ما بين الملزم والإدارة الجبائية  .
        خول القانون الجبائي للملزم أحقية المنازعة في الفرض الضريبي بسلوك إما مساطر تحكيمية، لجانية أو تظلمات قضائية، وفي ذلك ضمانة أساسية للملزم في عمليات تضريبه، وإجرائية في الآن ذاته  لتلجيم وعقلنة امتيازات الإدارة.
1- الطعن اللجاني محاولة لتوازن علاقات الملزم بالإدارة
        لقد كرس القانون اللجان الوسيطة ما بين الملزم والإدارة في مختلف التشريعات الضريبية. وفي هذا الإطار نصت المادة 157 من قانون الجبايات المحلية رقم 60-46 على إقرار لجنة محلية لتقدير الضريبة لتحل محل لجنة العمالة أو الإقليم للنظر في تظلمات الملزمين التابعين لنفوذ اختصاصها المكاني (الموطن الضريبي والمقر الاجتماعي، المؤسسة الرئيسية داخل دائرة اختصاصاتها ) ،وتبت اللجنة المذكورة في التظلمات باستثناء المسائل المتعلقة بتفسير النصوص التشريعية أو التنظيمية، وتكون مبررات اللجنة المحلية مفصلة ومعللة، وتصدر مقرراتها داخل أجل 12 شهرا، يبتدئ من تـاريخ تقديم الطعن، وإذا لم تتخذ اللجنة المحلية مقررها داخل هذا الأجل فلا يجوز إدخال أي تصحيح على إقرار الملزم أو رفض الرسم المعتمد من لدن الإدارة عند التضريب التلقائي بسبب الإقرار الناقص أو غير المدلى به، ولكن في حالة الموافقة الجزئية للملزم على تصحيحات الإدارة، أو في حالة عدم تقديمه ملاحظات بخصوصها فالتصحيح المتخذ بواسطة الإدارة، والناتج عن الموافقة الجزئية يكون هو الأساس مع الإمكانية المخولة للملزم في المنازعة القضائية بالنسبة للرسوم المفروضة عليه بناء على المقررات النهائية للجان المحلية، بما فيها تلك التي صرحت هذه الأخيرة بعدم اختصاص البت فيها داخل أجل زمني محدد، وبذلك فأعمال اللجان هي عبارة عن قرارات قابلة للطعن أمام المحاكم الإدارية .
        وتبقى اللجان المحلية على درجة وحيدة على مستوى الجبائية المحلية وخلافا للجبائية الدولتية،( درجتين) والتي تظل قرارات لجانها المحلية قابلة للاستئناف أمام لجنة وطنية ، كما شملت اختصاصات اللجنة المحلية النظر في التظلمات المستهدفة للجبائية المحولة كرسم السكن .
        وللإشارة فإن اللجنة المحلية لتقدير الضريبة تتشكل من أطر تابعة لهيئات وقطاعات مختلفة (العدل، الداخلية، الجماعة)، إضافة إلى ممثلي الملزمين، كما يمكن للجنة أن تستعين، وعند  الاقتضاء، وفيما يخص كل قضية، بخبيرين إثنين على الأكثر يمثلان المواطنين أو الملزمين، ودورهم استشاري داخل اللجنة ، وتتكون هذه الأخيرة من قاضي (رئيس ) ،وموظف ممثل لعامل العمالة أو الإقليم، وموظف ممثل للمصالح الجبائية التابعة للجماعات المحلية معين بواسطة العامل، (الكاتب المقرر)، وممثلين عن الملزمين التابعين للفرع المهني (الغرفة أو المنظمة المهنية) الأكثر تمثيلا للنشاط ذي الصلة بهذا الأخير،المدرجين  في القوائم التي تقدمها المنظمات المعنية وكلا من رؤساء الغرف المهنية أو المهن الحرة، وينقسم هؤلاء الممثلين إلى رسميين واحتياطيين يعينون لمدة 3 سنوات (32) ،ويمكن أن تضيف اللجنة إليها فيما يخص كل قضية خبيرين إثنين على الأكثر من الموظفين أو الملزمين، ودورهم استشاري (33) .ولم يغفل المشروع مسألة آليات اشتغال اللجنة المذكورة ،والتي تبت في  الطعون في الاجتماع الأول بأغلبية أصوات أعداد الحاضرين  والمتمثل نصابهم في حضور ثلاث على الأقل ( من  بينهم الرئيس وممثل عن الملزمين)، أو يتم اللجوء إلى اجتماع ثاني يكون صحيحا بحضور الرئيس وبعضوين آخرين، وحين تعادل الأصوات وفي كلتا الاجتماعين يرجح صوت الرئيس.
        وبالإضافة إلى التظلم اللجاني المنوط بجهاز إداري مختلط (إداري- قضائي)، فقد كرس القانون الجبائي  ضمانات أخرى للملزم غير المقتنع أو المتشكك في مبلغ الرسم المستحق باللجوء إلى الطعن الإداري-الوصائي أو القضائي.
2- التظلمات الإدارية - الوصائية
        خص القانون موضوع المنازعة بالتناول، والذي أطرته من الناحية الشكلية عدة مواد ضمن بابين، فقد استهل ذلك بالتنصيص على المنازعة لإدارية التي تهم إما حق المنازعة في مبلغ الرسم أو إسقاط الرسم أو التخفيف من الغرامات.
أ- حق وأجل المطالبة: مسطرة المنازعة أو التظلم النزاعي.
        أكد قانون الجبايات المحلية الجديد على تلك القاعدة الذهبية السائدة في مجال المنازعات، والتي تكون فيها الرقابة القضائية مسبوقة بالتظلمات الإدارية. وهذا ما يستشف من مقتضيات المادة 161، والتي نصت على وجوب توجيه الملزمين الذين ينازعون كلا أو جزءا في مبلغ الرسوم المفروضة عليهم مطالباتهم إلى الآمر بالصرف أو الشخص المفوض له حسب طبيعة الرسوم  (34)، فإذا كانت هذه الأخيرة محولة (الرسم المهني، رسم السكن ورسم الخدمات الجماعية ، فالتظلم يوجه إلى الوزير المكلف بالمالية أو الشخص المفوض له من لدنه،  وإذا كان التظلم يهم الرسوم الذاتية فيوجهه الملزم إلى الآمر بالصرف بالجماعة المحلية (رئيس الجماعة أو الوالي أو العامل بالنسبة للجهة أو العمالة أو الإقليم). أو الشخص المفوض له في هذا الشأن، وتوجه هذه التظلمات داخل أجل زمني حدده المشروع في ستة أشهر التالية لفرض الرسم عن طريق الجداول، أو أوامر المداخيل أو انصرام الآجال القانونية للإقرارات .
        وإذ يلاحظ أن القانون قد ضاعف ( ثلث) من آجال الطعن (35) فبإمكان الملزم الطعن في قرار الإدارة في حالة عدم اقتناعه، أو في حالة عدم جواب الإدارة داخل أجل 6 أشهر الموالية لتاريخ المطالبة، اللجوء إلى المحكمة المختصة داخل أجل شهر الموالية لتاريخ تبليغ المقرر المذكور، ويتضاعف هذا الأجل (شهرين) بالنسبة للملزمين غير المقيمين، ولا تحول المطالبة دون التحصيل الفوري للمبالغ المستحقة عملا بالقاعدة المعمول بها "إدفع تم استرد" (36). فامتياز الإدارة الجماعية هنا -سابق على حقوق الملزم، بل كرس وعمق القانون الامتياز المذكور باللجوء عند الاضطرار إلى التحصيل الجبري كما هو معتمد في الديون العمومية للدولة، والتي تبقى خاضعة لمراقبة القضاء عند إثارة النزاع.
ب - حق الملزم في إسقاط الرسم أو التخفيض من مبلغه
        أشارت المادة 162 من القانون إلى المنازعة ذات الطابع الإداري، والتي تهم الأخطاء الجبائية أو التخفيض من وطأة الزيادات والغرامات والأجهزة المؤهلة للبت في هذه الطعون (37). فلوزير المالية أو الآمر بالصرف للجماعة المحلية المعنية أو الأشخاص المنوط لهما ومن لدنهما اتخاذ قرار إسقاط الرسوم كلا أو جزءا.إذا تبت أنها زائدة عن المبلغ المستحق، أو عند فرض الرسم خطأ مرتين، أو فرض رسم غير مستحق تشريعيا.كما يجوز للوزير المكلف بالمالية  أو وزير الداخلية أو الأشخاص المفوض لهما الاستجابة لتظلم الملزم وحسب ظروفه بإقرار الإبراء أو  التخفيف من الزيادات والذعائر والغرامات وباقي الجزاءات الأخرى (38) .
وإذ عدد القانون الأجهزة المخول إليها التظلم الاستعطافي الجبائي فلم يفته التشخيص في هذا المجال، إذ نص على أن المنازعة في رسم السكن على عقار معين والمفروض في اسم شخص غير اسم المالك، فإن التظلم المرفوع في هذه المناسبة يوجه لوزير المالية أو الشخص المفوض له النظر في أداء الرسم أو التخفيف منه، كما أن الرسم قد يصدر مؤقتا في اسم الحائز أو واضع اليد، إلى حين تسوية الوضعية الخاصة بملكية العقار بعد صدور الحكم النهائي بواسطة المحاكم المختصة.
وتبعا لما سبق يمكن إبداء الملاحظات التالية:
- تحديد الأجهزة المكلفة بالنظر في الطعون التي تستهدف إسقاط الرسم وهو مالم يشر إليه القانون السائد حاليا بشكل صريح. وتوسيع قاعدة الأجهزة المركزية، اللاتمركزية أو اللامركزية المختصة بالنظر في التظلمات الاستعطافية (التخفيف أو الإعفاء من الغرامات والجزاءات)، والتي كرس المشروع قاعدة عدم خضوعها للأجل الزمني .
- تمكين الإدارة من إجراء مراقبة ذاتية (contrôle endogène) بمناسبة النظر في التظلمات، وبالتالي تخفيف العبء عن القضاء والحيلولة دون إغراقه بالملفات الضريبية (39)، وبالتالي المساهمة في تكريس ثقافة الحوار بين الإدارة والملزم، والتي ينبغي تأسيسها من خلال القضاء على بعض السلبيات من قبيل : "بطء إجراءات التحقيق واتخاذ القرار، عدم تأجيل الأداء ...) (40).
3- التظلم القضائي      يعتبر التظلم القضائي المرحلة النزاعية النهائية عند عدم توصل طرف النزاع إلى حل في السابق، وأشارت مقتضيات مشروع قانون الجبايات المحلية إلى أحقية الملزم المتضرر من الفرض الضريبي في اللجوء إلى التظلم القضائي بالنسبة للمقررات الصادرة عن اللجنة المحلية لتقدير الضريبة تبعا لأحكام المادة 156،  المحيلة على المادة 164، وبالرجوع إلى مقتضيات هذه الأخيرة فهي تؤكد حق الملزم في المنازعة أمام المحاكم في الرسوم المفروضة عليه تلقائيا بواسطة الإدارة ،أو من لدن اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، أو حتى عند تصريحها بعدم اختصاصها وذلك داخل أجل زمني لا يتجاوز الستين يوما الموالية لتاريخ وضع الأمر بالاستخلاص موضع التحصيل، أو الموالية لتاريخ تبليغ مقررات اللجنة المذكورة في حالة عدم إصدارها الأمر بالتحصيل، وهو نفس الأجل المخول للإدارة؛ قصد المنازعة في مقررات هذه اللجنة  سواء كانت هذه المقررات تتعلق بمسائل قانونية أو فعلية، وإذا كان هذا المقتضى يمثل التوازن في العلاقة ما بين ضمانات الملزم وامتيازات الجماعة، فيظل لهذه الأخيرة امتياز التمثيل لدى المحاكم إما بواسطة مدير الضرائب أو الآمر بالصرف للجماعة المحلية المعنية، أو الأشخاص المفوضين بذلك ، مع إمكانية الاستعانة بمحام عند الاقتضاء، وهذه الاستعانة هي اختيارية خلافا للملزم المجبر على الاستعانة بمحام أمام المحاكم الإدارية.  وللإشارة فإن الملزم يمكن أن يلجأ إلى هذه الأخيرة بطعنه بعد استنفاده للطعن اللجاني، أو مباشرة إذا لم يقبل مقرر الإدارة وذلك داخل أجل شهر، أو بعد ما يستنفد آجال الطعن الإداري المحدد في ستة أشهر المعتبرة كمدة مخولة للإدارة بتقديم الجواب عن تظلم الملزم (41) .
        ومن هنا يتبين أن الملزم يتوفر على ضمانات اللجوء إلى التظلم القضائي للفصل في المنازعة بين طرفي العلاقة الجبائية -الإدارة والملزم- لما يمكن أن يحققه القضاء من توازن منصف وعادل لفائدة الطرف الضعيف في المعادلة الجبائية -الملزم –ضد الإدارة-صاحبة الامتياز- في حالة التجاوز أو الخطأ .


 خـــاتمة
       لقد سبق عبر متن هذه الصفحات المتواضعة+ التأكيد على أهمية نسبية أو ذاتية مبدأ العدالة الضريبية في الآن ذاته، هذا المبدأ الذي يعد مؤشرا على الحكامة الجيدة، والتي يمكن اعتبارها من خلال إقرار مجموعة من الحقوق والضمانات المخولة للملزم في مواجهة امتيازات الإدارة كإقرار المساواة بين الملزمين في الفرض الضريبي والعمل على إشراكهم في اتخاذ هذا الفرض واعتماد الشفافية في المساطر الجبائية والأحقية في الطعون، وإذا كان المشرع الجبائي قد غازل بعض المبادئ الحديثة والعصرية للمادة الجبائية من قبيل التبسيط والتوحيد والاندماج ثم الملائمة مع النصوص اللامركزية الحديثة أو مع تلك المؤطرة للمادة الجبائية على المستوى الوطني، و قد عمل كذلك على إقرار مؤشرات العدالة الجبائية على مستوى المنظومة الجبائية المحلية كذات (نطاق السريان ، عمليات التصفية والتحصيل والمراقبة ...) ،أو كعلاقة بين طرفي المعادلة الجبائية بين الملزم والإدارة من خلال أحقية الملزم في مراقبة تصحيح إقراراته، واللجوء إلى الطعون ضدا على قرارات الإدارة، لكن وفي كلتي الحالتين يظل مبدأ العدالة الجبائية غير معتمد بشكل عام وشمولي بواسطة مشرع الجبايات المحلية بسبب إقرار هذا الأخير لإعفاءات سخية وغير مبررة محاباة لبعض الملزمين، إضافة إلى التخلي عن رسوم كانت موضوع قانون رقم 89-30 (الضريبة على المؤسسات التعليمية الخاصة والضريبة على الملاهي ...) ، وفي ذلك ترحيل للعبء الجبائي الذي قد يثقل كاهل ملزمين آخرين، كما لم يرق المشرع إلى طموح فرض جبائية ذات طابع بيئي أو عقاري تدخلي .(42)
 تم النشر في: المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 78-79يناير-ابريل 2008
                                     مراجع                                                
1- ظهير شريف رقم 195-07-1في 30 نونبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 06-47المتعلق بالجبايات المحلية  جريدة رسمية عدد 3734في 3 دجنبر 2007. وللإشارة فهدا القانون لم يلغ أو يعدل كلية القانون السابق رقم 89-30 ، بل إن هدا الأخير ظل ساريا بموجب الأحكام الانتقالية التي تداركها قانون رقم 07-39المتعلقة ببعض الرسوم والواجبات المستحقة للجماعات المحلية.
-2إبراهيم حداد : العدالة الاجتماعية عند العرب .نشر وتوزيع دار الثقافة بيروت ص 11 و 12.

3- محمد حسن ألبياتي: القرار السياسي والعدالة الضريبية. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام. كلية الحقوق. الدار البيضاء 1989.ص 95.
4-المقدمة : دار القلم . طـ.الخامسة . بيروت 1984 ص 287.
5- وقد قال ابن تيمية:"إن الله يقيم الدولة العادلة أكانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة": محمد حسن البياتي م.س.ص 48.
6-محمد مظفر الادهمي : اوروبا في القرن التاسع عشر ، دراسة في التاريخ والفلسفة. ط.1. مكتبة المعاريف والنشر  والتوزيع 1985. ص 120-285.
7-عبد الأمير شمس الدين: الضرائب: أسسها العلمية وتطبيقاتها العملية (دراسة مقارنة ). المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع 1987 ص 28.
8- محمد حاتم عبد الكريم: النظم الضريبية: النظرية والتطبيق الدار الجامعية بيروت 1976 ص 187.
9- عبد الكريم صادق بركات : النظم الضريبية : النظرية والتطبيق . الدار الجامعية. بيروت 1976 ص 37.
10- عبد المجيد دراز : مبادئ المالية العامة. الدار الجامعية 1988 ص 232.
11- عادل أحمد حشيش : أصول المالية العامة. دراسة تحليلية لمقومات مالية الاقتصاد العام. مؤسسة الثقافة الجامعية بالإسكندرية ص 169.
12- صباح نعوش: الضرائب في الدول العربية ط 1. المركز الثقافي العربي 1987 ص 133.
13- ويتمثل العبء الجبائي في مقدار التضحية أو المشقة الذاتية (Subjectivité) التي ينطوي عليها دفع الضريبة (علي عباس مقلد. النظم الضريبة المقارنة .مؤسسة الجامعة الإسكندرية 1978 ص 37) وللإشارة فللضغط الجبائي آثار إيجابية وأخرى سلبية، بل يمكن تشبيهه بدرجة الضغط على الثدي إما باللين أو اللطف فيكون مدرارا للحليب، وإما بالقوة والعنف المفضي إلى الدم. وهكذا فالضغط على الناس بالقوة قد يفضي إلى الثورة والتمرد (J. P. Ducros : La sociologie financière ; PuF ; 1982 P 243.) فكثرة الضغط تحدت الانفجار كما يقال، وهذا ما يعبر عنه المثل المغربي الدارج :" المحلوبة حليب والمعصورة دم ".
14-إبراهيم سهير:الجبائية والمضاربة العقارية في المغرب. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام. كلية الحقوق. الدار البيضاء1990.ص 168.
15- محمد المشط: المردودية والعدالة الضريبية من خلال الجبائية المباشرة بالمغرب: رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام. كلية الحقوق. الدار البيضاء1986.ص1.
16- عبد المنعم فوزي :فلسفة الفكر المالي. المؤسسة العصرية العامة للنشر والتأليف. دار الكتاب المصري للطباعة والنشر. العدد 201 يونيو 1968 ص44
17- عبد المنعم فوزي . عبدا لكريم صادق بركات ويونس أحمد البطريق : المالية العامة والسياسة المالية ط 1. المعارف 1969 ص 213.
18-: L-Trotabas - J.M Cottert : Droit Fiscale 4éme éd Dalloz P 328
19- محمد حسن البياني م س ص 99.
 -20-.لقد ساهمت عملية إدماج بعض الرسوم ،وتلك المضافة إليها ، والمؤسسة على نفس المادة الجبائية ، والتي تهم استغلال المقالع ورخص الصيد البحري وقطاعات التامين والنظافة في خدمة أهداف الوضوح واليقين .
   - 21   - عبد المجيد دراز : مرجع سابق ص 268
22- عاد ل أحمد حشيش: مرجع سابق ص 170.
23- عبد المنعم فوزي : مرجع سابق ص 44.
24- عبد المجيد دراز :. مرجع سابق ص 263.
25- محمد مجدوبي : الضريبة الحضرية المغربية بين العدالة والمردودية. رسائل لنيل دبلوم الدراسات المعمقة. وحدة المالية العامة. كلية الحقوق بالدار البيضاء. 2001-2002 ص 62.
26- عبد المجيد دراز : مرجع سابق ص 263.
27-NGAOSYVATHN Osyythen : Le rôle de l’impôt dans les pays en voie de développement L.G.D. J.1980 P212.
28-الإحصاء هو تلك العملية الميدانية التي بموجبها ينتقل الأعوان المؤهلون لذلك إلى عين المكان لاستيفاء المعلومات اللازمة، مثل لجان إحصاء رسم السكن ( الضريبة الحضرية)،للمزيد من هذا الإطار يرجع إلى: أحمد حضراني:تضريب العقار :دراسة تحليلية للمادة الثالثة من ظهير 21 نونبر 1989. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام. كلية الحقوق بالدار البيضاء 1995- ص 211.
29-يعني التصريح في القانون المدني تسليط الضوء أو توضيح شئ ما سابق الحدوث،وبالتالي إزالة الغموض عنه، وفي القانون الإداري فالتصريح هو ذلك الترخيص الذي نظم من خلال الحريات العامة : المحفوظ اشكر: التوازن بين حقوق الملزم وسلطات الإدارة في إطار المساطر الضريبية على ضوء "مدونة المساطر الضريبية الجديدة (القانون رقم 26.04): رسالة لنيل دبلوم السلك العالي في التدبير الإداري. المدرسة ا.لوطنية للإدارة. 2004-2005 ص 15-16 .
30- بل  هناك من يذهب إلى اعتبار الإقرار كمكون من مكونات الديمقراطية بمثابة آلية لتجسيد العقد الاجتماعي: محمد شكيري:القانون الضريبي المغربي:دراسة تحليلية ونقدية.منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية . سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية عدد 49-2003. ص 335.
31- المناظرة الوطنية الاستثنائية للجماعات المحلية ص 21.
32-فصلت النسخة الأخيرة من القانون في مواصفات الممثلين الرسميين والاحتياطيين المعينين بواسطة عامل العمالة أو الإقليم من بين الأشخاص الذاتيين المسجلين في القوائم التي يقدمها رؤساء غرف التجارة والصناعة التقليدية والفلاحة والصيد البحري، أو من بين أعضاء المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، ونصت مقتضيات المادة 157 على تاريخ التعيين والانتداب.
33-وهذه مكرسة لذلك المقتضى الذي كاد منصوصا عليه بموجب المادة 14 من قانون 89-30، وكانت النسخة الأولى من المشروع قد تخلت عنها لكن الصيغة النهائية لقانون رقم 06-47  اعتمدتها.
34-وبذلك فالقانون الجبائي يتدارك ذلك الغموض والتناقض الذي كانت قد حبلت به المادة 16 من قانون رقم 89-30، والتي كانت تنص على عدم إلزامية الطعن الإداري خلافا للمادة 43 من ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي.
35-أقر القانون الجبائي  ستة أشهر بدل شهرين المنصوص عليها بموجب قانون رقم 89-30.
36- وهذه العبارة ترجم ذلك التعبير الدارج المتداول -خلص واشكي- ،والذي تكرس من خلال ذلك المقتضى، وهو من إضافة مجلس المستشارين على مسودة  المشروع أتناء مناقشته:"وإذا اقتضى الحال الشروع في مسطرة التحصيل الجبري مع مراعاة استرداد مجموع المبالغ المذكورة بعد صدور المقرر أو الحكم".
37- فخلافا للمعيار الإداري في التفرقة مابين التظلم الاستعطافي والتظلم الإداري فإن التظلم الاستعطافي في الميدان الجبائي يعتمد على المعيار الموضوعي، والذي يطال ليس أساس الضريبة أو مبلغها. بل الاعقاء من الغرامات والجزاءات المرتبطة بها نظرا للظروف المادية الصعبة والعسيرة للملزم : أشكير المحفوظ. م.س. ص 124 وكذا محمد شكيري م.س.ص 527.
38-لقد وسع القانون من قاعدة الأجهزة المختصة بالنظر في  التظلمات الاستعطافية،والتي كانت  تحكمها المادة 22 من القانون رقم 89- 30 حيث كانت تخص فقط وزير الداخلية دون غيره للنظر في التظلمات المذكورة ، قصد الإعفاء أو التخفيف من الغرامات والجزاءات . وهذه التظلمات لا تخضع لأجل زمني وغير قابلة للطعون القضائية .
39- محمد شكيري : م.س ص 526.
40- المحفوظ اشكير : م.س ص 145 وما يليها.
41-المادة من  القانون رقم 06-47   165.
42- نصت المادة 42 من  القانون رقم 06-47   على إعفاءات  مؤقتة من الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية( وهي من إضافة وتدارك مجلس المستشارين أثناء مناقشة المشروع بواسطة مستشاريه)،تشمل الأراضي المشمولة برخص الإعداد أو التهيئة خلال فترات زمنية محددة وبالنسبة لمساحات معينة ،وإذا لم يتم الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة يرفع إلا عفاء ،بل يخضع الملزم لغرامات تبعا لمقتضيات المادة 134( سوء نية الملزم ) أو المادة 147 ، ومن شان هذه الإجرائية أن  تتصدى للغش الضريبي وان تحد من المضاربة العقارية












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق